فيّاضتان فوّارتان بالماء العذب، فهناك جنتان تجريان، وهنا جنتان فوّارتان، والجري أقوى من النضخ، قال البراء بن عازب: العينان اللتان تجريان خير من النضاختين. فبأي نعم الله هذه تكذبان أيها الإنس والجن؟ {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي في هاتين الجنتين فاكهة كثيرة متنوعة، ومنها ثمر النخيل والرمان، وإفرادهما بالذكر من بين سائر الفواكه ليس من عطف الخاص على العام كما ذكر البخاري وغيره، وإنما لمزيد حسنهما، وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه، ولشرفهما على غيرهما، لدوامهما وكونهما غذاء ودواء، ولوجودهما في الخريف والشتاء.
وقد قال هناك:{فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ} وقال هنا: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ} ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع، من قوله:{فاكِهَةٌ} فهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم.
فبأي نعم الله تكذبان يا إنس ويا جن، فإن هذه النعم تستحق الحمد والشكر.
{فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي في هاتين الجنتين نساء حسان الخلق والخلق، أو هن ذوات فضل، خيّرات فاضلات الأخلاق، حسان الوجوه، فالخيّرات جمع خيّرة، وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق، الحسنة الوجه، وهو قول الجمهور، بدليل
ما روى الحسن عن أم سلمة قالت:
«قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أخبرني عن قوله تعالى:{خَيْراتٌ حِسانٌ}؟ قال: خيّرات الأخلاق، حسان الوجوه»
وفي حديث آخر أن الحور العين يغنين: نحن الخيرات الحسان، خلقنا لأزواج كرام.