عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم، فقست قلوبهم بذلك السبب، حتى صاروا لا يتأثرون بالموعظة ولا بالوعد والوعيد، وبدّلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنا قليلا، ونبذوه وراء ظهورهم، واتبعوا الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة، وقلّدوا أحبارهم ورهبانهم في دين الله من غير دليل ولا برهان، وكثير منهم خارجون عن حدود الله وأوامره ونواهيه، فصارت أعمالهم باطلة، وقلوبهم فاسدة، كما قال تعالى:{فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ، وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ}[المائدة ١٣/ ٥] ولهذا نهى الله المؤمنين عن التشبّه بهم.
ثم ضرب الله تعالى المثل لتأثير المواعظ وتلاوة القرآن، فقال:
{اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي كما أن الله يحيي الأرض بالنبات والغيث بعد جدبها قادر على أن يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلالها، ببراهين القرآن ودلائله، قد أوضحنا لكم الآيات والحجج، كي تتدبروها، وتعقلوا ما فيها من المواعظ، وتعملوا بموجب ذلك.
ثم أبان الله تعالى ثواب المتصدقين والمتصدقات على البائسين، فقال:
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ، وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} أي إن المتصدقين والمتصدقات بأموالهم على ذوي الحاجة والفقر والبؤس والمسكنة، ودفعوا المال بنية خالصة ابتغاء رضوان الله، لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولا شكورا، يقابل لهم الحسنة بعشرة أمثالها، ويضاعفها إلى سبع مائة ضعف إلى أكثر من ذلك، ولهم فوق ذلك ثواب جزيل حسن، ومرجع صالح، ومآب كريم معزّز.