للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم شنّع الله تعالى على المظاهرين ووبخهم، فقال:

{الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ، ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ} أي الذين يشبّهون أزواجهم بأمهاتهم، فيقول أحدهم لامرأته: أنت علي كظهر أمي ونحوه، أي إنك علي حرام كحرمة أمي، ما نساؤهم بأمهاتهم، فذلك كذب منهم، وفي هذا توبيخ لهم وتبكيت، فليست أمهاتهم في الحقيقة إلا النساء اللائي ولدنهم.

{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً، وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي وإن هؤلاء المظاهرين ليقولون بهذا قولا منكرا، أي فظيعا ينكره الشرع ويقبّحه ولا يجيزه، كما لا يقره عقل، {وَزُوراً}، أي كذبا، وإن الله كثير العفو والمغفرة، إذ جعل الكفارة عليهم مخلّصة لهم عن هذا المنكر، كما أن الله غفور لمن أذنب وتاب، وغفور من غير توبة لمن يشاء، كما قال: {وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} [النساء ٤٨/ ٤].

يتبين منه أن الله وصف الظهار بأنه منكر وزور، لتشبيه الزوجة بالأم، فهو خبر زور كذب، وإنشاء منكر ينكره الشرع ولا يعرفه، وهو يدل على أن الظهار محرّم، وهو أيضا عند الشافعية معصية كبيرة، لأن فيه الإقدام على إحالة حكم الله تعالى وتبديله بدون إذنه سبحانه، ولأن المقدم على ذلك كاذب معاند للشرع.

والظهار كان طلاقا في الجاهلية، يوجب حرمة مؤبدة لا رجعة فيه.

وضابط‍ المظاهر عند الشافعية والحنابلة: كل من صح طلاقه صح ظهاره، وهو البالغ العاقل، سواء أكان مسلما أم كافرا، فعلى هذا ظهار الذمي عندهم صحيح، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ} ولأن الذمي يصح طلاقه فيصح ظهاره، وهو أهل للزجر بالكفارة كالمسلم. وضابطه عند

<<  <  ج: ص:  >  >>