للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكافر: لأستغفرن لك، وما أدفع عنك من عذاب الله شيئا إن أشركت به، فلا تأسوا به في هذا القول، فتستغفروا للمشركين، فإن استغفاره إنما كان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبيّن له أنه عدو لله، تبرأ منه. والخلاصة: ليس لكم أسوة في الاستغفار للمشركين.

وقد كان بعض المؤمنين يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك، ويستغفرون لهم، ويقولون: إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه، فأنزل الله عز وجل: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ، فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ، تَبَرَّأَ مِنْهُ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة ١١٣/ ٩ - ١١٤].

ثم أخبر الله تعالى عن اعتصام إبراهيم والمؤمنين معه بالله حين فارقوا قومهم وتبرؤوا منهم فقال:

{رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} أي اعتمدنا عليك يا رب في جميع الأمور، وفوضنا أمورنا إليك، ورجعنا إليك بالتوبة من كل ذنب، وإليك المرجع والمآب والمعاد في الدار الآخرة.

وهذا من دعاء إبراهيم وأصحابه، ومما فيه أسوة حسنة يقتدى به فيها، ومن تتمة دعاء قوله:

{رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي يا ربنا لا تجعلنا مفتونين معذبين بأيدي الكفرة، واستر لنا ذنوبنا عن غيرك، واعف عنها فيما بيننا وبينك، فإنك أنت القوي الغالب القاهر، الذي لا يغالب، ولا يضام من لاذ بجنابك، وذو الحكمة البالغة في أقوالك وأفعالك، وشرعك وقدرك، وتدبير خلقك، وفعل ما فيه صلاحهم. قال

<<  <  ج: ص:  >  >>