للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحقيقة والباطن، فختم على قلوبهم بسبب كفرهم، فلا يدخلها إيمان، ولا تهتدي إلى حق، ولا ينفذ إليها خير، فأصبحوا لا يفهمون ما فيه رشدهم وصلاحهم، ولا يعون ولا يدركون الأدلة الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والرسالة.

ثم أبان الله تعالى مدى الاغترار بمظاهرهم وصورهم الجسدية، فقال:

{وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ، كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} أي وإذا نظرت إليهم تروقك هيئاتهم ومناظرهم، لما فيها من النضارة والرونق وجمال الصورة واعتدال الخلقة، وإن تكلموا حسن السماع لكلامهم، وظن أن قولهم حق وصدق، لفصاحتهم وحلاوة منطقهم وذلاقة ألسنتهم، كأنهم أخشاب جوفاء منخورة مستندة إلى الحيطان، فهم مجرد كتل بشرية لا تفهم ولا تعلم، وقد كان عبد الله بن أبي رأس المنافقين فصيحا جسيما جميلا، ولكنه وصحبه لا وعي ولا إدراك لديهم، لخلوهم عن الفهم النافع، والعلم الذي ينتفع به صاحبه، فهم صور بلا معان. فقوله: {وَإِذا رَأَيْتَهُمْ} يعني عبد الله بن أبي، ومغيث بن قيس، وجدّ بن قيس، كانت لهم أجسام ومنظر، تعجبك أجسامهم لحسنها وجمالها، وكان عبد الله بن أبي جسيما صبيحا فصيحا.

{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ، قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ} أي وهم مع جمال مناظرهم وجسامة أجسادهم في غاية الضعف والخور والجبن، يظنون كل صوت كلما وقع أمر، أو كل صيحة يسمعونها واقعة عليهم، نازلة بهم، لفرط‍ جبنهم، ورعب قلوبهم، وفراغهم النفسي، وإحساسهم بالهزيمة من الداخل، فهم الأعداء الألداء، فاحذر مؤامراتهم، ولا تطلعهم على شيء من أسرارك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار، لعنهم الله وطردهم من رحمته وأهلكهم، كيف يصرفون عن الحق، ويميلون عنه إلى الكفر، ويتركون الهدى إلى الضلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>