إلا ظله.. منهم: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
ثم نبّه الله تعالى على أنه مطّلع على الضمائر والسرائر، فقال:
{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} أي سواء أخفيتم كلامكم أو جهرتم به، فالله عليم به، يعلم بما يخطر في القلوب وما تكنّه الضمائر، لا يخفى عليه منه خافية، والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل وجد، فالله عليم به، فاحذروا من المعاصي سرا كما تحترزون عنها جهرا، فإن ذلك لا يتفاوت بالنسبة إلى علم الله تعالى. وقدّم السر على الجهر؛ لأنه مقدم عليه عادة، فما من أمر إلا وهو يبدأ أولا في النفس ثم يجهر به، وللتحذير من التكتم والسر الذي قد يظن عدم العلم به. وقوله:{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} كالعلّة لما قبله.
والآية خطاب عام لجميع الخلق في جميع الأعمال، وتشمل ما كانوا يسرون به من الكلام في أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال ابن عباس: كانوا ينالون من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيخبره جبريل، فقال بعضهم لبعض:{أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ} لئلا يسمع إله محمد، فأنزل الله هذه الآية.
ثم أقام الله تعالى الأدلة على سعة علمه، فقال:
{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أي ألا يعلم الخالق الذي خلق الإنسان وأوجده السرّ ومضمرات القلوب؟ فهو تعالى الذي خلق الإنسان بيده، وأعلم شيء بالمصنوع صانعه، وهو العليم بدقائق الأمور، وما في القلوب، والخبير بما تسرّه وتضمره من الأمور، لا تخفى عليه من ذلك خافية. والمراد: ألا يعلم السّر من خلق السّر.
وقيل: معناه: ألا يعلم الله مخلوقه؟ قال ابن كثير: والأول (أي ألا يعلم الخالق) أولى لقوله: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. والواقع أن كلا المعنيين محتمل،