ثم ضرب الله مثلا للمؤمن والكافر أو الموحد والمشرك، فقال:
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟} أرأيتم حال المؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبّا على وجهه، أي يمشي متعثرا في كل وقت، منحنيا غير مستو، لا يدري أين يسلك، ولا كيف يذهب، بل هو تائه حائر ضال.
أهذا أهدى أم ذلك المؤمن الذي مثله كمن يسير معتدلا ناظرا أمامه على طريق مستو، لا اعوجاج به ولا انحراف فيه، فهو في نفسه مستقيم، وطريقه مستقيمة، سواء في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا إذ يسير على منهج الله يكون على هدى وبصيرة، وفي الآخرة يحشر على طريق مستقيم يؤدي به إلى الجنة. وهذا الاستفهام لا تراد حقيقته، بل المراد منه أن كل سامع يجيب بأن الماشي سويا على صراط مستقيم أهدى.
ثم ذكر الله تعالى البرهان الثاني الدال على كمال قدرته قائلا:
{قُلْ: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ، قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ} أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: إن الله ربكم هو الذي ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، وأوجد لكم حاسة السمع لسماع المواعظ به، وحاسة البصر لنظر بدائع خلق الله، والقلوب والعقول للتأمل والتفكير في مخلوقات الله وإدراك حقائق الأشياء، ولكن قلّما تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره، وترك زواجره، وفيما خلقت لأجله من الخير، وذلك هو الشكر الحقيقي لهذه الطاقات، لا مجرد ترداد الشكر باللسان، وملازمة العصيان؛ لأن شكر نعمة الله تعالى: هو أن يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه، فإذا لم تستعمل هذه القوى في طلب مرضاة الله، فأنتم ما شكرتم نعمته مطلقا.