ونحوها من المعاوضات، فتكون معلوماتها محدودة، وخبرتها قليلة، واهتمامها بالوقائع المالية ضعيفا، وأما اشتغال النساء في هذا العصر بالمسائل المالية فلا يغير الحكم؛ لأن الأحكام إنما للأعم الأغلب، وبالرغم من إسناد الوظائف المالية للمرأة، فإنها لا تأبه بغير العمل الذي وكّلت به وفوض إليها، فلا تلتفت لما يجري بين الآخرين من منازعات على قضايا مالية، ويظل اهتمامها بالنواحي المالية أو العامة بالرغم من توظفها محصورا بشؤون منزلها أثاثا وترفها ونظافة، وتوفير مواد تموينية، وإعداد طعام وشراب لأسرتها، وتربية أولاد، فكان تذكرها للمعاملات-فيما عدا مشترياتها الخاصة-قليلا. والخلاصة: أن الحكم للأغلب، ولا عبرة بالنادر، والشرع ينظر للمجموع.
ثم نبّه القرآن إلى قضية مهمة، فشا بين الناس في عصرنا بل وفي الماضي نقيضها، وهي الإدلاء بالشهادة، فأوصى تعالى الشهود، ونهاهم عن الإباء عن الشهادة أو التقاعس في أدائها وتحملها، كما نهى الكاتب عن الامتناع عن الكتابة، فلا يجوز للشهود الامتناع عن تحمّل الشهادة (أي استيعاب وقائع القضية المشهود عليها) وأدائها أمام القاضي، كقوله تعالى بعدئذ:{وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة ٢٨٣/ ٢] إذ بالشهادة تثبت الحقوق ويمنع الجور والظلم والتسلط على الضعفاء. ودلت الآية أيضا على أن الشاهد هو الذي يمشي إلى الحاكم.
روى الربيع أن الآية نزلت حين كان الرجل يطوف في القوم الكثير، فيدعوهم إلى الشهادة، فلا يتبعه أحد منهم.
ثم عاد إلى أمر الكتابة، فأكد طلبها في عقود المداينات، فنهى عن الملل أو الضجر من كتابة الدين، فلا ينبغي التكاسل أو التقصير أو الاستحياء في كتابة الدين، مهما قلّ، وسواء أكان صغيرا أم كبيرا تطلب كتابته، قطعا للنزاع والشقاق، وحفظا لأصل الحق.