للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظير الآية: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون ١١٥/ ٢٣].

الثاني- {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} أي أما كان ذلك الإنسان قطرة أو نطفة ضعيفة من مني يراق في الرحم، ثم صار بعد ذلك علقة، أي قطعة دم، ثم مضغة أي قطعة لحم، ثم شكّل ونفخ فيه الروح، فصار خلقا آخر سويا سليم الأعضاء، ذكرا أو أنثى بإذن الله وتقديره؟ أليس ذلك الذي أنشأ هذا الخلق البديع وقدر عليه بقادر على أن يعيد خلق الأجسام من جديد بالبعث، كما كانت عليه في الدنيا؟ بلى، فإن الإعادة أهون من الابتداء.

وقوله: {فَخَلَقَ} أي فقدّر بأن جعلها مضغة مخلّقة، وقوله {فَسَوّى} أي فعدّل أركانه وكمل نشأته ونفخ فيه الروح، وجعل من المني بعد تخليقه صنفي الإنسان: الرجل والمرأة.

وهذا استدلال بالخلق الأول على الإعادة، فإن الخالق الأول هو الخالق الآخر، والأمران سواء عليه.

روى ابن أبي حاتم وغيره أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قرأ هذه الآية قال:

«سبحانك اللهم وبلى».

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن مردويه، والحاكم وصححه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ منكم: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين ١/ ٩٥] وانتهى إلى آخرها: {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ} [التين ٨/ ٩٥] فليقل: بلى، وأنا على ذلكم من الشاهدين، ومن قرأ: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} [القيامة ١/ ٧٥] فانتهى إلى قوله: {أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} [القيامة ٤٠/ ٧٥] فليقل: بلى، ومن قرأ المرسلات، فبلغ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟} [المرسلات ٥٠/ ٧٧] فليقل: آمنا بالله».

<<  <  ج: ص:  >  >>