والشر وبالتكاليف الشرعية بعد بلوغ سن التكليف وأهلية الخطاب التشريعي وزوّدناه بطاقات الفهم والوعي والإدراك وهي السمع والبصر ليتمكن من حمل رسالة التكليف واجتياز الامتحان واستماع الآيات والتأمل في دلائل الكون والتفكر في براهين الوجود الدالة على الخالق الواحد الأحد.
فبالسمع والبصر والفؤاد وسائر الحواس يتمكن هذا الإنسان من الطاعة والمعصية. ولما جعله تعالى بهذا التركيب وامتن عليه بهاتين الصفتين (السمع والبصر) وهما آلة التمييز والفهم وأشرف الحواس التي تدرك بها أعظم المدركات أخبر تعالى أنه هداه السبيل أي أرشده إلى الطريق وعرفه مآله طريق النجاة ومآل طريق الهلاك وبيّن له طريق الهدى وطريق الضلال فقال:
{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً} أي بيّنا وأوضحنا له وعرّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر وبصّرناه بعواقب الأمور وعرّفناه منافع الأشياء ومضارّها التي يهتدي إليها بطبعه السليم وكمال عقله فآل أمره إلى أن ينقسم نوع الإنسان إلى قسمين: شاكر لأنعم الله مؤمن به مهتد بهديه. وكافر جاحد للنعمة معرض عن الطاعة صادّ عن الهدي الإلهي.
ونظير الآية:{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد ١٠/ ٩٠] أي بيّنا له طريق الخير وطريق الشر فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد وهذا قول الجمهور ولم نجبره أو نكرهه على شيء من الإيمان أو الكفر وإنما اختار الإنسان لنفسه ما شاء كما قال تعالى: {وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}[فصلت ١٧/ ٤١].
وروى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها».