ولا يخفى أن هذا الظل ليس بالمعنى المصطلح عليه في الدنيا، وهو الضوء النوراني، فإنه لا شمس هناك، فمعنى دنوّ الظلال: أن أشجار الجنة خلقت بحيث لو كان هناك شمس، لكانت تلك الأشجار قريبة الظلال على أهل الجنة، وقد أكّد هذا المعنى بقوله:{وَذُلِّلَتْ.}. أي لا تمتنع على قطّافها كيف شاؤوا (١).
ثم أخبر الله تعالى عن شرابهم وأوانيهم التي فيها يشربون، فقال:
{وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا. قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً} أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام، وهي من فضة، وبأكواب الشراب: وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم، وهي أيضا من فضة، فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير وهي الزجاج، حتى يرى داخلها، من خارجها، وجاءت في الشكل والحجم كما يريدون لا تزيد ولا تنقص.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:«ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة».
وجاء في آية أخرى:{يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ}[الزخرف ٧١/ ٤٣]. وهذا يدل على أنهم تارة يسقون بأكواب الفضة، وتارة بأكواب الذهب. والصحاف: هي القصاع. والفرق بين الآنية والأكواب: أن الأكواب كما تقدم هي الكيزان التي لا عرى لها، والآنية هي ما له عرى، كالقدح.
ثم وصف الله تعالى مشروبهم نفسه قائلا:
{وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً} أي ويسقى الأبرار أيضا في هذه الأكواب في الجنة خمرا ممزوجة بالزنجبيل، فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور