{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي ويقال لهم في الآخرة بدليل قوله: {بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} على سبيل الإحسان إليهم والتكريم: كلوا أيها المتقون من طيبات الجنة وفواكهها، واشربوا متهنئين بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة. وهذا أمر إكرام، لا أمر تكليف، وهذا أيضا من جنس العذاب الروحاني بالنسبة إلى الكافرين حين يرون الذين اتقوا الشرك في النعيم المقيم.
{إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل، ومثل ذلك الجزاء العظيم لهؤلاء المتقين نجزي المحسنين في أعمالهم، فلا نضيع لهم أجرا، كما قال تعالى:{إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}[الكهف ٣٠/ ١٨].
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أي عذاب وخزي يوم القيامة للمكذبين بالله ورسله وبما أخبر الله من تكريم هؤلاء المتقين في الآخرة، حيث صاروا في شقاء عظيم، وصار المؤمنون في نعيم مقيم. وهذا هو النوع الثامن من أنواع تهديد الكفار.
ثم خاطب الله تعالى المكذبين بيوم الدين، وأمرهم على سبيل التهديد والوعيد، فقال:
{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً، إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} أي يقال لهم في الدنيا (١): كلوا من مآكل الحياة ولذائذها، وتمتعوا بخيراتها زمانا قليلا، ومدة قصيرة تزول بانتهاء العمر، ثم تساقون إلى نار جهنم، فإنكم مشركون بالله. وهذا إن خوطبوا به في الآخرة توبيخ وتذكير بحالهم السمجة، وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم، وعلل ذلك بكونهم مجرمين إيعادا لكل مجرم.