{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} أي: في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها؟ أو في أي شيء أنت من ذكر تحديدها ووقتها، أي لست من ذلك في شيء (١). وهذا تعجب من كثرة ذكره لها، كأنه قيل: في أيّ شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها، حرصا على جوابهم. والمعنى ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق، بل مردها ومرجعها ومنتهى علمها إلى الله عز وجل، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين، ولا يوجد علمها عند غيره، فكيف يسألونك عنها ويطلبون منك بيان وقت قيامها؟ وهم يسألونك عنها، فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
لما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن وقت الساعة قال فيما أخرجه مسلم عن عمر:«ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟».
{إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها} أي إنما بعثتك لتنذر الناس وتحذرهم من بأس الله وعذابه، وما أنت إلا مخوّف لمن يخشى قيام الساعة، فمن خشي الله وخاف مقامه ووعيده، اتّبعك فأفلح ونجا، ومن كذب بالساعة وخالفك، خسر وخاب، فدع علم ما لم تكلف به، واعمل بما أمرت به من إنذار. وخص الإنذار بأهل الخشية؛ لأنهم المنتفعون بذلك.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} أي إن هذا اليوم الذي يسألون عنه واقع حتما، وكأنهم فيه، فإنهم إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر، ورأوا الساعة (القيامة) استقصروا مدة الحياة الدنيا، ورأوا كأنها ساعة من نهار، أو عشية من يوم أو ضحى من يوم. والمراد تقليل مدة الدنيا في نفوسهم إذا رأوا