للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصل له علم ضروري (بدهي) بأنه ملك مقرب يطمأن لنزوله بالوحي عليه، لا شيطان رجيم. وهذا كما جاء في سورة النجم: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى، أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} [١١ - ١٤].

وهذه الرؤية بعد رؤيته في بدء الوحي عند غار حراء حين رآه على كرسي بين السماء والأرض في صورته، له ست مائة جناح. وقيل: هي الرؤية التي رآه فيها عند سدرة المنتهى، وسمي ذلك الموضع أفقا مجازا، وقد كانت له عليه السلام رؤية ثانية بالمدينة، وليست هذه (١).

{وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أي ليس محمد صلّى الله عليه وسلّم على ما أنزله الله عليه من الوحي وخبر السماء ببخيل مقصر في التعليم والتبليغ، بل يعلّم الخلق كلام الله وأحكامه دون أي انتقاص، وهو ثقة مؤتمن لا يأتي بشيء من عند نفسه، ولا يبدل ولا يغير أي حرف أو معنى فيه.

{وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ} أي وما القرآن بقول شيطان يسترق السمع، مرجوم بالشهب، فالقرآن ليس بشعر ولا كهانة، كما قالت قريش، وهذا كقوله تعالى: {وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ، وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء ٢١٠/ ٢٦ - ٢١٢].

{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} أي: أيّ طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بيّنت لكم؟ وأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقا من عند الله تعالى؟ {إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} أي ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين، وتذكير لهم بما ينفعهم، وتحذير لهم عما يضرهم، لمن


(١) البحر المحيط‍: ٤٣٤/ ٨ - ٤٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>