للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هو السجين؟ إنه الكتاب الذي رصدت فيه أسماؤهم، فهو كتاب مسطور بيّن الكتابة، جامع لأعمال الشر الصادر من الشياطين والكفرة والفسقة. وهذا السجل المسمى بالسجين هو السجل الكبير أو العظيم، الذي فيه لكل فاجر صحيفة.

وهذا هو الظاهر في معنى كلمة {سِجِّينٍ}. وقد عرفنا سابقا أن بعضهم يرى أن السجين هو مكان وهو جهنم وهي أسفل السافلين، لذا قال محمد بن كعب القرظي: قوله تعالى: {كِتابٌ مَرْقُومٌ} ليس تفسيرا لقوله: {وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ؟} وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين، أي مرقوم مكتوب مفروغ منه، لا يزاد فيه أحد، ولا ينقص منه أحد (١). وهو رأي النحويين كما تقدم.

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} أي عذاب شديد يوم القيامة لمن كذب بالبعث والجزاء وبما جاء به الرسل، فهؤلاء المكذبون هم الذين لا يصدقون بوقوع الجزاء، ولا يعتقدون كونه، ويستبعدون أمره. وهذا وعيد للذم لا للبيان؛ لأن كل مكذب فالوعيد يتناوله، سواء كان مكذبا بالبعث أو بسائر آيات الله تعالى.

ثم أبان الله تعالى صفات من يكذب بيوم الدين وهي ثلاث، فقال:

{وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ، أَثِيمٍ، إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي لا يكذب بيوم الدين إلا من كان متصفا بهذه الصفات الثلاث:

وهي أولا-كونه معتديا، أي فاجرا جائرا متجاوزا منهج الحق، ثانيا-أنه أثيم: وهو المنهمك في الإثم في أفعاله، من تعاطي الحرام وتجاوز المباح، وفي أقواله: إن حدّث كذب، وإن وعد أخلف، وإن خاصم فجر، وثالثا-أنه إذا


(١) تفسير ابن كثير: ٤٨٥/ ٤

<<  <  ج: ص:  >  >>