للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} أي جعلت منصوبة قائمة مرفوعة على الأرض، فإنها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها، والنظر إليها مبعث هيبة وتعجب، ويستفيد من وجودها وتسلسلها السالكون في البراري والقفار، والأعجب من هذا أن كثيرا من الينابيع المائية تنبع منها، وفيها منافع كثيرة ومعادن وفيرة، ويقتطع منها أحجار ضخمة، ورخام ذو ألوان مختلفة بديعة.

{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} كيف بسطت ومدّت ومهّدت، ليستقر عليها ساكنوها، وينتفعوا بما فيها من خيرات ومعادن دفينة، وما تخرجه من نباتات وزروع وأشجار متنوعة، بها قوام الحياة والمعيشة.

وتسطيح الأرض إنما هو بالنسبة للناظر والمقيم عليها، ولا يعني ذلك أنها ليست بكرة؛ لأن الكرة-كما ذكر الرازي-إذا كانت في غاية العظمة يكون كل قطعة منها كالسطح (١).

وإنما ذكرت هذه المخلوقات دون غيرها؛ لأنها أقرب الأشياء إلى الإنسان الناظر فيها، فهو يشاهد صباح مساء بعيره، ويرى السماء التي تظلله، والجبال التي تجاوره، والأرض التي تقلّه.

ثم أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالتذكير بهذه الأدلة، فقال:

{فَذَكِّرْ، إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} أي فذكر يا محمد الناس بما أرسلت به إليهم، وعظهم وخوفهم، والفت نظرهم إلى ضرورة التأمل بهذه الأدلة والبراهين وأمثالها الدالة على قدرة الله على كل شيء، ومنها البعث والمعاد، وليس عليك إلا التذكير فقط‍، فإنما بعثت لهذا الغرض، ولا سلطان ولا سيطرة لك عليهم لحملهم على أن يؤمنوا بالله وبرسالتك، ولجبرهم على ما تريد، فإن


(١) التفسير الكبير: ١٥٧/ ٣١ - ١٥٨

<<  <  ج: ص:  >  >>