للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} أي أقسم بالأشياء الثلاثة المذكورة على أننا خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأجمل شكل، منتصب القامة، سويّ الأعضاء، حسن التركيب، يأكل بيده، يتميز بالعلم والفكر والكلام والتدبير والحكمة، فصلح بذلك أن يكون خليفة مستخلفا في الأرض كما أراد الله له.

والخلاصة: خلقناه في أحسن تعديل شكلا وانتصابا، كما قال أكثر المفسرين.

ذكر القرطبي القصة التالية التي توضح حسن تقويم الإنسان، فقال:

كان عيسى بن موسى الهاشمي يحب زوجته حبّا شديدا، فقال لها يوما:

أنت طالق ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر؛ فنهضت واحتجبت عنه، وقالت: طلقتني! وبات بليلة عظيمة، فلما أصبح، غدا إلى دار المنصور، فأخبره الخبر، وأظهر للمنصور جزعا عظيما، فاستحضر الفقهاء واستفتاهم، فقال جميع من حضر: قد طلّقت؛ إلا رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة، فإنه كان ساكتا.

فقال له المنصور: مالك لا تتكلم؟ فقال له الرجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. يا أمير المؤمنين، فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شيء أحسن منه.

فقال المنصور لعيسى بن موسى: الأمر كما قال الرجل، فأقبل على زوجتك. وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرجل: أن أطيعي زوجك ولا تعصيه، فما طلقك.

ثم عقب القرطبي على هذا قائلا: فهذا يدلك على أن الإنسان أحسن خلق الله باطنا وظاهرا، جمال هيئة، وبديع تركيب: الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه، والبطن بما حواه، والفرج وما طواه، واليدان وما بطشتاه،

<<  <  ج: ص:  >  >>