للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين الأبرار على الملائكة؛ لقوله تعالى: {أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}.

ثم ذكر جزاءهم فقال:

{جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ، ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي جزاؤهم يوم القيامة عند خالقهم ومالكهم على الإيمان والعمل الصالح جنات أو بساتين إقامة دائمة تجري من تحت أشجارها وغرفها الأنهار، ماكثين فيها على الدوام، لا يخرجون منها، ولا يرحلون عنها، ولا يموتون، بل هم دائمون في نعيمها، مستمرون في لذاتها إلى الأبد، لا نهاية لنعيمهم. وكلمة الجزاء تفيد معنيين:

أحدهما-أن يعطيه الجزاء الوافر من غير نقص، والثاني-أنه تعالى يعطيه ما يقع به الكفاية؛ لأن الجزاء اسم لما يقع به الكفاية، فلا يبقى في نفسه شيء إلا ويحققه له، كما قال: {وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت ٣١/ ٤١]. وقوله:

{تَجْرِي} إشارة إلى أن الماء الجاري ألطف من الراكد.

رضي الله عنهم؛ لأنهم أطاعوا أمره، وقبلوا شرائعه، ورضوا عنه، بما منحهم من الثواب والفضل العميم، وتحقيق المطالب مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وهذا الجزاء والرضوان حاصل لمن خاف الله واتقاه حق تقواه، وعبده كأنه يراه، وانتهى عن معاصيه بسبب ذلك الخوف.

وفي ذلك تحذير من خشية غير الله، وتنفير من إشراك غيره به في جميع الأعمال، وترغيب في تقوى الله ورهبته، حتى يصبح العمل خالصا لله وحده.

كما أن فيه إيماء إلى أن شرط‍ أداء العبادة كالصوم والصلاة: خشية الله والخشوع له.

<<  <  ج: ص:  >  >>