يشهد على نفسه بالجحد والكفران، أي بلسان حاله، وظهور أثر ذلك عليه في أقواله وأفعاله بعصيان ربه، كما قال تعالى:{ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}[التوبة ١٧/ ٩].
وقال قتادة وسفيان الثوري: وإن الله على ذلك لشهيد.
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي وإن الإنسان بسبب حبه للمال لبخيل به، أو أن حبه للمال قوي، فتراه مجدّا في طلبه وتحصيله، متهالكا عليه. فصار هناك رأيان في المعنى: أحدهما-وإنه لشديد المحبة للمال، والثاني-وإنه لحريص بخيل بسبب محبة المال، قال ابن كثير: وكلاهما صحيح.
ثم هدد الإنسان وتوعده إذا ظل بهذه الصفات، فقال:
{أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ، إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} أي أفلا يدري الجاحد إذا أخرج أو نثر ما في القبور من الأموات، وأبرز وأظهر ما يسرّ الناس في نفوسهم من النوايا والعزائم، والخير والشر، إن رب هؤلاء المبعوثين لخبير بهم، مطلع على جميع أحوالهم، لا تخفى عليه منهم خافية في ذلك اليوم وفي غيره، ومجازيهم في ذلك اليوم على جميع أعمالهم أوفر الجزاء، ولا يظلمون مثقال ذرة. فإذا علموا ذلك ووعوه، فعليهم ألا يشغلهم حب المال عن شكر ربهم وعبادته والعمل للآخرة.
وخص أعمال القلوب بالذكر؛ لأن أعمال الأعضاء الأخرى تابعة لأعمال القلب؛ فإنه لولا البواعث والإرادات في القلوب، لما حصلت أفعال الجوارح.
وأعاد الضمير في قوله:{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ} بصيغة الجمع؛ لأن الإنسان في معنى الجمع، كقوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}[العصر ٢/ ١٠٣] ثم قال: