فالمصلحة العامة أولى وأحقّ بالمراعاة. فإن كانت الموالاة والمحالفة لمصلحة المسلمين، فلا مانع منها، فقد حالف النّبي صلّى الله عليه وسلّم خزاعة، وهم على شركهم.
وإنما الواجب موالاة المؤمنين بعضهم بعضها، والاعتماد عليهم في الشؤون العامة. قال ابن عباس: نهى الله أن يلاطفوا الكفار، فيتّخذوهم أولياء.
ومعنى الموالاة الممنوعة: الاستنصار بهم والتعاون معهم والاستعانة بهم لقرابة أو محبة، مع اعتقاد بطلان دينهم؛ لأن الموالاة قد تجرّ إلى استحسان طريقتهم، والموالاة بمعنى الرّضا بكفرهم كفر، لأن الرّضا بالكفر كفر.
أما الموالاة بمعنى المعاشرة الجميلة في الدّنيا بحسب الظاهر، مع عدم الرّضا عن حالهم، فليس ممنوعا منه.
ومن يوالي الكافرين من غير المؤمنين أي يتجاوز المؤمنين إلى الكفار، كأن يكون جاسوسا للكفار، فليس من دين الله ولا من حزبه أو من ولاية الله في شيء، أي يكون بينه وبين الله غاية البعد، ويطرد من رحمته، ويكون منهم، ولا يكون مطيعا لدينه، كما قال:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وقوله:
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ}: إشارة إلى اتّخاذهم أولياء، وهذا يدلّ على المبالغة في ترك الموالاة؛ إذ نفى عن متوليهم أن يكون في شيء من الله.
ثم استثنى سبحانه حالة تجوز فيها موالاة الكفار، وهي حالة الخوف من شيء، يجب اتّقاؤه منهم، كالقتل مثلا أي حال اتّقاء الضّرر؛ فتجوز موالاتهم حينئذ؛ لأن «درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح». وإذا جازت موالاتهم لدفع الضّرر، فتجوز لنفع الإسلام والمسلمين. ويكون ذلك للضّرورة، مثل النّطق بالكفر حال الإكراه: