الأذهان إلى الحقائق، وإبانة المصالح، وتقرير الحكم البالغة، وهو من الأمور المستحسنة في العقول والتربية والتعليم. وأما الذين كفروا فيجادلون في الحق بعد ما تبيّن، ويمارون بالبرهان وقد تعيّن، فيخرجون من الموضوع، ويعرضون عن الحجة.
وليس الإيمان أو الكفر أمرا وراثيا، أو قهريا جبريا، وإنما للإرادة والاختيار والعقل دخل فيه، وسببه هو استخدام طاقات الإنسان من حواس ومشاعر وأفكار، وليس للمثل-كما يزعم الكفار-تأثير في تفريق الناس إلى ضلالة وهدى، فالله تعالى لا يضلّ أحدا من المؤمنين المهتدين بهداية العقل والدين، وإنما يضلّ الفاسقين الخارجين عن الطاعة وصراط الله السوي، الذين سبق في علم الله تعالى أنهم غير هداة، فيكون إسناد الإضلال إلى الله تعالى من قبيل إسناد الفعل إلى السبب، لأنه لما ضرب المثل، فضلّ به قوم، واهتدى به قوم، كان ذلك سببا في ضلال الناس وهداهم، فكانت علة ضلالهم: هي الفسوق، أي الخروج عن هداية الله تعالى في سننه في خلقه، التي هداهم إليها بالعقل والمشاعر، وبكتابه بالنسبة إلى الذين أوتوه.
وصفات الفاسقين الذين أضلوا أنفسهم بأنفسهم كثيرة منها ما ذكرته الآية (٢٧): نقض عهد الله من بعد توكيده: وهو وصية الله تعالى إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله. ونقضهم ذلك: ترك العمل به.
ومنها: قطع ما أمر الله به أن يوصل: وهو الإشارة إلى دين الله وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه وحفظ حدوده، فهي عامة في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل، وهو قول الجمهور. والرحم: جزء من هذا.
ومنها: الإفساد في الأرض: أي عبادة غير الله تعالى، والجور في الأفعال،