والفسق موجب حتما للخسارة، كما أن الطاعة توصل إلى الربح، وليس المراد بالفاسقين هنا ما هو معروف شرعا وهم العصاة بما دون الكفر من المعاصي، فإنه لا يصح هنا.
وفي الآية دليل على أن الوفاء بالعهد والتزامه وكل عهد جائز، ألزم المرء نفسه به، هو أمر واجب شرعا وعقلا، فلا يحلّ له نقضه، سواء أكان بين مسلم أم بين غيره، لذمّ الله تعالى من نقض عهده، وقد قال:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة ١/ ٥]، وقال لنبيه عليه الصلاة والسلام:{وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ}[الأنفال ٥٨/ ٨]، فنهاه عن الغدر، وذلك لا يكون إلا بنقض العهد.
والمؤمنون المهتدون على قلتهم أجل فائدة وأكثر نفعا وأعظم آثارا من أولئك الكفار الفاسقين الضالين، على كثرتهم. فإذا أشعرت الآية بأن المهتدين في الكثرة كالضالين، مع أن هؤلاء أكثر، فليس الظاهر مرادا: لأن العبرة بالكيف لا بالكم، قال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ ١٣/ ٣٤].
وقدم الله تعالى الإضلال على الهداية في قوله:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} لأن سببه ومنشأه من الكفر متقدم في الوجود، فكان ذلك مناسبا لحال الكفرة، ليكون أول ما يقرع سمعهم من الجواب أمرا يفتّ في أعضادهم، ويهزّ جنابهم، وعبّر عن ذلك بصيغة المضارع المفيدة للاستقبال إيذانا بالتجدد والاستمرار.