واذكر يا محمد حين تقول للمؤمنين يوم بدر، تعدهم تطمينا، وقد هابوا العدو لكثرتهم: ألن يكفيكم إمداد ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة أنزلهم الله تعالى لقتال الكفار. أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وغيرهما عن الشعبي قال: بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربيّ يريد أن يمدّ المشركين، فشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى المسلمين، فأنزل الله تعالى:{أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} إلى قوله: {مُسَوِّمِينَ} فبلغ كرزا الهزيمة، فلم يمدّهم ورجع، فلم يمدهم الله أيضا بالخمسة آلاف، وكانوا قد مدّوا بألف.
قال قتادة: كان الإمداد بالملائكة يوم بدر، أمدهم الله بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف، فذلك قوله تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ، فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} وقوله: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} وقوله: {بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} فصبر المؤمنون يوم بدر، واتقوا الله، فأمدهم الله بخمسة آلاف من الملائكة، على ما وعدهم؛ فهذا كله يوم بدر.
وكان هذا الإمداد ماديا فعليا من قبيل إمداد العسكر بما يزيد عددهم، وشاركت الملائكة في القتال، وأكد ذلك روايات كثيرة ثابتة في البخاري ومسلم (١) وليس ذلك من قبيل الإمداد المعنوي، كما جنح إليه صاحب (تفسير المنار) وهو رأي قديم لبعضهم إذ قال: إنما كانت الفائدة في كثرة الملائكة أنهم كانوا يدعون ويسبّحون، ويكثرون الذين يقاتلون يومئذ؛ فعلى هذا لم تقاتل الملائكة يوم بدر، وإنما حضروا للدعاء بالتثبيت. والرأي الأول هو ما عليه أكثر
(١) وقد كنت تورطت بمقال نشر في مجلة (حضارة الإسلام) بعنوان «الإمداد بالملائكة» تأثرا بما رجحه صاحب تفسير المنار والشيخ محمد عبده، ثم عدلت عن ذلك، لتضافر الروايات الصحيحة في السنة على أن الإمداد كان فعليا.