للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتوب إليه، غفر له، وإن كان قد فرّ من الزّحف».

وروى مكحول عن أبي هريرة قال: «ما رأيت أكثر استغفارا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم». قال علماء المالكية: الاستغفار المطلوب: هو الذي يحلّ عقد الإصرار، ويثبت معناه في الجنان، لا التّلفّظ‍ باللسان. فأما من قال بلسانه: أستغفر الله، وقلبه مصرّ على معصيته، فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لا حقة بالكبائر. قال الحسن البصري: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.

وليس أحد يغفر المعصية، ولا يزيل عقوبتها إلا الله تعالى.

والباعث على التوبة وحلّ الإصرار: إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار، وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنّة، ووعد به المطيعين، وما وصفه من عذاب النار وتهدّد به العاصين، ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه، فدعا الله رغبا ورهبا، والرّغبة والرّهبة: ثمرة الخوف والرّجاء، يخاف من العقاب، ويرجو الثّواب، والله الموفق للصّواب.

وتصحّ التّوبة بعد نقضها بمعاودة الذّنب؛ لأن التّوبة الأولى طاعة وقد انقضت وصحّت، وهو محتاج بعد مواقعة الذّنب الثّاني إلى توبة أخرى مستأنفة، والعود إلى الذّنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنه أضاف إلى الذّنب نقض التّوبة، فالعود إلى التّوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنه أضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم، وأنه لا غافر للذّنوب سواه. ودليل ذلك

ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى:

أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب، ثم عاد فأذنب فقال: أيّ ربّ اغفر لي ذنبي-فذكر مثله مرّتين، وفي آخره: اعمل ما شئت فقد غفرت لك». ومعنى العبارة الأخيرة وهو الأمر: الإكرام، فيكون من باب قوله: {اُدْخُلُوها بِسَلامٍ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>