شيء إلا عنده خزائنه، وما من نعمة بخلقه فمنه وحده، لا شريك له، كما قال تعالى:{وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها، إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ}[إبراهيم ٣٤/ ١٤].
وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحّاء، الليل والنهار (١)، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه-قال: وعرشه على الماء، وفي يده الأخرى الفيض-أو القبض-يرفع ويخفض. وقال: يقول الله تعالى: أنفق أنفق عليك».
وعبر عن سعة الجود ببسط اليدين، لأن الجواد يعطي بكلتا يديه.
والعقيدة في هذا المعنى نفي التشبيه عن الله تعالى، وأنه ليس بجسم ولا جارحة، كما قال ابن عطية.
أما تقتير الرزق على بعض الناس فلا ينافي سعة الجود، فإن له حكمة وإرادة ومشيئة في تفضيل بعض الناس على بعض في الرزق كما قال سبحانه:{وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}[الشورى ٢٧/ ٤٢]{اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ}[الرعد ٢٦/ ١٣].
ثم بيّن الله تعالى مدى تأثير القرآن فيهم فقال:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً.}. أي تالله ليزيدن ما أنزل إليك من الآيات البينات طغيانا وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء، وكفرا أي تكذيبا، أي يكون ما آتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم، فكما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا صالحا وعلما نافعا، يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغيانا وكفرا، كما قال تعالى:{قُلْ: هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ،}
(١) قال النووي: هو بنصب الليل والنهار ورفعهما؛ النصب على الظرف، والرفع على الفاعل، أي فاعل يغيضها. والسح: الصب الكثير، ويغيض: ينقص.