للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفارة. وأما اليمين التي لا تكفر: فالرجل يحلف على الأمر يتعمد فيه الكذب، فليس فيه كفارة. وأما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها: فالرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه، فلا يكون كذلك، فليس عليه فيه كفارة، وهو اللغو (١).

واليمين المنعقدة: هي التي يكون الحلف فيها بالله أو بصفة من صفاته،

لقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن ابن عمر:

«من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» ولا تنعقد اليمين بالحلف بغير الله من المخلوقات كنبيّ أو وليّ، بل إنه حرام.

وقد اختلف الفقهاء في اليمين الغموس على رأيين، فقال الحنفية والمالكية:

لا كفارة فيها؛ لأن جزاء الغموس الغمس في جهنم. وقال الشافعية وجماعة:

تجب الكفارة فيها؛ لأن الله يقول: {وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ومن تعمد الكذب في يمينه فقد كسب بقلبه إثما، وهو مؤاخذ به؛ لأنه عقد قلبه على الكذب في اليمين، وقد قال الله: {فَكَفّارَتُهُ}.

ورأى الحنفية والمالكية أن المؤاخذة بما كسبت القلوب هو عقاب الآخرة، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران ٧٧/ ٣]، فذكر الوعيد فيها ولم يذكر الكفارة.

وروى البيهقي والحاكم عن جابر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من حلف على منبري هذا بيمين آثمة، تبوّأ مقعده من النار»، ولم يذكر الكفارة.

وروى البخاري ومسلم وغيرهما (الجماعة) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين صبر (٢)، وهو فيها فاجر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله، وهو عليه غضبان».


(١) تفسير الطبري: ١١/ ٧.
(٢) اليمين الصبر: التي ألزم بها وأكره عليها، والصبّر: الإكراه.

<<  <  ج: ص:  >  >>