ثمّ بيّن الله تعالى نوع المؤاخذة على اليمين المنعقدة فقال:{فَكَفّارَتُهُ} الضمير إما عائد على الحنث المفهوم من السياق، أو على العقد الذي في ضمن الفعل بتقدير مضاف، أي فكفارته نكثه. والحانث عليه الكفارة سواء أكان عامدا أم ساهيا وناسيا أم مخطئا، أم نائما ومغمى عليه ومجنونا أم مكرها.
والكفارة على الموسر مخيّر فيها بين ثلاث خصال: إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين في رأي الجمهور مدّ طعام (قمح) والمدّ (٦٧٥ غم) من النوع المتوسط الغالب أكله على أهل البلد، ليس بالأجود الأعلى، ولا بالأردإ الأدنى، وهو أكلة واحدة خبز ولحم، لقول الحسن البصري ومحمد بن سيرين: يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا ولحما. وقدّره الحنفية بما يجب في صدقة الفطر وهو نصف صاع من برّ، أو صاع من تمر أو شعير أو دقيق، أو قيمة هذه الأشياء (والصاع ٢٧٥١ غم). وهو أكلتان مشبعتان: غداء وعشاء، لقول علي رضي الله عنه: يغديهم ويعشيهم.
{أَوْ كِسْوَتُهُمْ} أي بحسب اختلاف البلاد والأزمنة كالطعام، يعطي لكلّ فقير رداء متوسطا مثل «الجلابية» أو قميصا؛ أو سروالا أو عمامة في رأي الشافعية، ولم يجز الحنفية الكسوة بالسروال والعمامة، لأن أدنى الكسوة عندهم:
ما يستر عامة البدن.
{أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي عتق نفس، إذ كان الرقيق موجودا، بشرط أن تكون في رأي الجمهور مؤمنة، مثل كفارة القتل الخطأ والظهار، حملا للمطلق على المقيد. ولم يشترط الحنفية كونها مؤمنة فيجزئ إعتاق الكافرة، عملا بإطلاق النّصّ الوارد هنا، ويجب إبقاء موجب اللفظ في كفارة اليمين على إطلاقه، ويعمل بكلّ نصّ على حدة؛ لأن شرط الإيمان في كفارة القتل غير معقول المعنى، فيقتصر على مورد النّص.