للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيها على أن من لم يثبت أمام هذه الأشياء، علما بأن الصيد طعام لذيذ شهي وخصوصا في الأسفار، فكيف يثبت عند شدائد المحن؟! والامتحان بترك ما ينال بسهولة، وهو طيب، أشق على النفس وأدل على التقوى والخوف من الله، من ترك ما لا ينال إلا بمشقة، وهو قليل الأهمية.

وكذلك يكون الصيد بالفخ والحبالة ونحوها من الوسائل، وما وقع فيها يكون لصاحبها، فإن ألجأ الصيد إليها أحد كان صاحبها شريكه فيه.

ثم بيّن الله تعالى سبب الابتلاء أو الاختبار بقوله: {لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ} أي يبتليكم الله حال إحرامكم ليظهر ما علمه أزلا من أهل طاعته ومعصيته أنه حاصل منهم في حال الحياة، وأن صلابة الإيمان تظهر الخوف من الله تعالى في حال أسر والخفية كما في حال الجهر والعلانية. والخلاصة: إنه تعالى يريد أن يعاملكم معاملة المختبر، وإن كان هو عالما به منذ الأزل، لتزكية النفوس وتطهيرها وصقلها.

{فَمَنِ اعْتَدى..}. أي فمن تجاوز حدود الله بعد هذا البيان الشافي في الصيد، فله عذاب شديد الألم في الآخرة؛ إذ هو لم يبال باختبار الله له؛ لأن المخالفة بعد الإنذار مكابرة وعدم مبالاة.

ثم حرم الله تعالى صيد البر حال الإحرام، فقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} وهذا النهي العام لكل مسلم ذكر وأنثى هو الابتلاء المذكور في الآية السابقة: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ}.

فيا أيها الذين صدقوا بالله والرسول والقرآن، لا تقتلوا صيد البر-والقتل يشمل كل ما يزهق الروح-وأنتم محرمون بحج أو عمرة، لا بالمباشرة ولا بالتسبب كالإشارة والدلالة، ولا في حرم مكة والمدينة وإن لم تكونوا محرمين كما ثبت في

<<  <  ج: ص:  >  >>