الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً} هذا ما ذكره الفخر الرازي دليلا للشافعي، وهو في الواقع دليل ضعيف؛ لأن هذه الآية إن دلت على شيء، فليس الذي تدل عليه أن الصيد هو المأكول؛ لأن قوله:{مَتاعاً لَكُمْ} أي نفعا أعم من أن يكون من طريق الأكل أو من طريق الحلية مثلا.
وذكر الرازي أيضا دليلا آخر للشافعي وهو
الحديث المشهور الذي رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة:«خمس فواسق ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» هذا اللفظ للبخاري،
وفي رواية «السبع الضاري»
وفي رواية مسلم:«يقتلن في الحل والحرم». وفيها:«والغراب الأبقع» والسبع الضاري نص في المسألة، ووصفت بكونها فواسق، وحكم بحل قتلها، وذكر هذا الحكم عقب الوصف المناسب مشعر بكون الحكم معللا بذلك الوصف، وهذا يدل على أن كونها فواسق علة لحل قتلها، والفسق: الإيذاء، وهي موجودة في السباع، فوجب جواز قتلها (١). ويناقش هذا الدليل بأنه لا يصلح حجة على الحنفية القائلين: إن الصيد اسم عام يتناول المأكول وغير المأكول، لا يخرج عنه شيء إلا ما أخرج الدليل، وقد أخرج الدليل الخمس الفواسق؛ لأنها فواسق، لا لأنها ليست بصيد ولا لأنها غير مأكولة.
وبه يظهر أن ما أورده الرازي دليلا للشافعي من القرآن والخبر لا يصلح دليلا للدعوى، وإنما الذي يصلح دليلا أن يثبت أن الصيد خاص بالمأكول، فإن ثبت هذا كانت الآية حجة للشافعية، وإلا فهي ظاهرة في العموم حتى يقوم الدليل على الخصوص.
وقوله تعالى:{لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} لفظ عام يشمل كل صيد بري وبحري،