الجنايات والاعتداءات، ولا يكون لهم شهداء إلا من أنفسهم، ويتخاصمون إلى قضاة المسلمين، فإذا لم يحكم بينهم بشهودهم المرضيين عندهم، ضاعت حقوقهم، ووقع الظلم والفساد، فالحاجة ماسة إلى قبول شهادتهم بعضهم على بعض.
هذا هو الأرجح والمقبول عمليا. وكذلك في شهادة الكفار على المسلمين يؤخذ بقول الإمام أحمد: تجوز للضرورة حيث لا يوجد مسلم كالسفر؛ لقوله تعالى:{أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} قال ابن تيمية: وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضوع: هو ضرورة، يقتضي قبولها في كل ضرورة، حضرا وسفرا. ولو قيل: تقبل شهادتهم مع أيمانهم في كل شيء عدم فيه المسلمون، لكان له وجه؛ إذ قد يقرب أجل المسلم في الغربة، ولا يجد مسلما يشهده على نفسه، وربما وجبت عليه زكوات وكفارات، وربما كان عنده وودائع أو ديون في ذمته، فإذا لم يشهد غير المسلمين ضاعت عليه مهماته ومصالحه.
٥ - وآية {تَحْبِسُونَهُما} أصل في حبس من وجب عليه حق؛ لأن التوثق للحقوق المالية إما بالرهن وإما بالكفالة، فإن تعذرا جميعا لم يبق إلا التوثق بالحبس حتى يحمله السجن على الوفاء بالحق، أو يتبين أنه معسر.
أما التوثق للحق البدني الذي لا يقبل البدل كالحدود والقصاص، فلا يمكن إلا بالسجن، روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم حبس رجلا في تهمة.
وروى أبو داود عن عمرو بن الشّريد عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته» عرضه:
يعزر بالتوبيخ، وعقوبته: حبسه.
٦ - دل قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} على مشروعية اختيار الوقت الذي يؤثر في نفوس الشهود حالفي الأيمان رجاء أن يصدقوا في كلامهم. قال أكثر العلماء: يريد بالآية بعد صلاة العصر؛ لأن أهل الأديان يعظمون ذلك