ووظيفة الرّسول: اتّباع الوحي، وهذا معنى قوله تعالى:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ} أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه.
ثم وبّخهم الله على ضلالهم مبيّنا لهم أنه لا يستوي الضّال والمهتدي فقال:
{قُلْ: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ} أي قل للمشركين المكذبين: هل يستوي من اتّبع الحق وهدي إليه، ومن ضلّ عنه وحاد عن الحقّ.
أفلا تتفكرون فتميّزوا بين ضلال الشّرك وهداية الإسلام، وتعقلوا ما في القرآن من أدلّة توحيد الله وإيجاب اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهذا مثل قوله تعالى:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى، إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ}[الرعد ١٩/ ١٣].
وخلاصة ما سبق: إثبات قدرة الله المطلقة التي تنفي وجود مثلها لأحد، مما يدلّ على وجود الله ووحدانيته، وإثبات كون القرآن والمعجزات المؤيدة لصدق النّبي صلّى الله عليه وسلّم: هي من الله وحده؛ لأنه لا يستطيع الرّسول التّصرف في شيء خارج الحالات المعتادة، ولا الإتيان بشيء مثل القرآن أو تنزيل الآيات الغريبة، وإجراء المعجزات الخارقة للعادة.
هذه حقيقة الرّسالة، ثم أمر الله نبيّه بإنذار المؤمنين سوء الحساب والجزاء فقال:{وَأَنْذِرْ بِهِ.}. أي وأنذر يا محمد بالوحي أو بالقرآن الذين يؤمنون بالله ويخافون من الحشر وأهواله وشدّة الحساب يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال، عند لقاء الله، ويعتقدون بأنه ليس لهم فيه وليّ ولا شفيع ولا حميم ولا نصير:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ}[الانفطار ١٩/ ٨٢]، لعلهم يتقون أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله عزّ وجلّ، قال ابن عبّاس: معناه وأنذرهم لكي يخافوا في الدّنيا، وينتهوا عن الكفر والمعاصي.