ثم منع الله نبيّه من تقريب كفار قريش وأشرافهم المترفين، ومن تنحية المؤمنين المستضعفين وطرد الضّعفاء من الناس، فقال:{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ..}.
أي لا تبعد عنك هؤلاء المتّصفين بهذه الصفات، بل اجعلهم جلساءك وخلصاءك، وصفاتهم أنهم مؤمنون حقّ الإيمان، موحّدون ربّهم دون شائبة شرك، يدعون ربّهم بالغداة والعشي أي في الصّباح والمساء وجميع الأوقات، يخلصون في طاعتهم وعبادتهم، فلا يقصدون إلا إرضاء الله تعالى، ولا يريدون من عبادتهم إلا ذات الله وحقيقته؛ لأنه المستحق للعبادة. ونظير الآية قوله تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ، تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا، وَاتَّبَعَ هَواهُ، وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}[الكهف ٢٨/ ١٨].
وموقف هؤلاء المشركين له شبيه بموقف قوم نوح حين قال أشرافهم له:
ثم حصر اللّّه تعالى حساب هؤلاء بربّهم، كما قال تعالى:{إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي}[الشعراء ١١٣/ ٢٦]، وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم، فقال تعالى:{ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} بعد أن شهد الله لهم بالإخلاص