{وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي أمرناكم بالإعراض عنهم حينئذ تذكيرا وموعظة، لعلهم يتقون الخوض في آياتنا، ويذكرون الله.
وعلى التفسير الثاني لمجاهد ومن وافقه: يكون المراد هذه الآية: أمرناكم بالإعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه، لعلهم يتقون ذلك، ولا يعودون إليه. وقال الزمخشري: ولكن عليهم أثناء مجالستهم أن يذكروهم ذكرى إذا سمعوهم يخوضون، بالقيام عنهم، وإظهار الكراهة لهم وموعظتهم، لعلهم يجتنبون الخوض حياء، أو كراهة لمساءتهم. وروي أن المسلمين قالوا: لئن كنا نقوم كلما استهزءوا بالقرآن، لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام، وأن نطوف، فرخص لهم.
ثم أكد الله تعالى ترك المستهزئين بقوله:{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ.}.
أي دع أيها الرسول ومن تبعك من المؤمنين وأعرض عن هؤلاء المشركين الذين يتلاعبون بدينهم بعبادة الأصنام، يصنعونها ثم يأكلونها، فقد أضاعوا عمرهم فيما لا يفيد وهذا هو اللعب، وشغلوا أنفسهم عن العمل المفيد وهذا هو اللهو، وغرتهم الدنيا الفانية، وآثروها على الحياة الباقية، واشتغلوا بلذات الدنيا الحقيرة، فخاضوا في آيات الله بدلا عما كان يجب عليهم من فهمها وتدبرها وامتثالها. وهو كقوله تعالى:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا، وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الحجر ٣/ ١٥].
وذكّر الناس بالقرآن وعظهم به لئلا تحبس عن الخير، وتمنع في جهنم نفس بما عملت، وتسلم إلى الهلاك، وترتهن بعملها الذي صدر منها في الدنيا، كقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ}[المدثر ٣٨/ ٧٤ - ٣٩].
وقوله:{لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} أي والحال لا قريب ولا أحد يشفع فيها، ولا ناصر ينصرها، كقوله تعالى: {ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ