كالشرك والطواف بالبيت عراة رجالا ونساء، والأولى الحكم بتعميم معنى الفاحشة: وهي كل معصية كبيرة، فيدخل فيه جميع الكبائر، قالوا: نحن في هذا مقلدون للآباء، متبعون للأسلاف، ويعتقدون أنها طاعات، وأن الله أمرهم بها، وهي في أنفسها فواحش، فكانوا يحتجون على إقدامهم على تلك الفواحش وهم لا يدركون فحشها بأمرين: أحدهما: أنا {وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا} والثاني:
أن {اللهُ أَمَرَنا بِها}.
أما الحجة الأولى-فلم يجب الله عنها؛ لأنها إشارة إلى محض التقليد، وهو عقلا طريقة فاسدة، وفسادها ظاهر جلي لكل أحد، فلم يحتج إلى الجواب عنه.
وأما الحجة الثانية وهي قولهم:{وَاللهُ أَمَرَنا بِها} فقد أجاب عنه تعالى بقوله: {قُلْ: إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} أي إن هذه الأفعال منكرة قبيحة على لسان الأنبياء والمرسلين، والله بكماله منزه عن أن يأمر بها، فكيف يمكن القول بأن الله تعالى أمر بها؟! والواقع إنما يأمر بها الشيطان، كما قال تعالى:{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ}[البقرة ٢٦٨/ ٢].
ثم أنكر الله تعالى عليهم قولهم باستفهام إنكاري فقال:{أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ..}. أي أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته؟! فتشريع الله لا يثبت إلا بوحي منه إلى رسوله، وأنتم تعملون بوحي الشيطان، وتفترون على الله الكذب، فهذا إنكار لإضافتهم القبيح إلى الله، وشهادة على أن مبني قولهم الجهل المفرط.
وبعد أن أنكر تعالى صدور الأمر عنه بالفحشاء، أعلن أنه إنما يأمر بالقسط والعدل:{قُلْ: أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} أي قل يا محمد لهم: إنما يأمر ربي بالعدل والاستقامة والتوسط في الأمور دون إفراط ولا تفريط.