وأمر ربي بإيفاء عبادته حقها، وأن تقصدوا عبادته مستقيمين إليها غير عادلين إلى غيرها، في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود، وهو الصلاة، واعبدوه (ادعوه) مخلصين له الدين، أي الطاعة، مبتغين بها وجه الله خالصا.
أي إن هذه الآية تأمر بشيئين: ١ - الاستقامة في العبادة في أوقاتها ومحالّها، كما جاء بها الأنبياء والمرسلون المؤيدون بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله، وما جاؤوا به من الشرائع. ٢ - الإخلاص لله في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين: أن يكون صوابا موافقا للشريعة، وأن يكون خالصا من الشرك (١).
ثم احتج تعالى عليهم في إنكارهم الإعادة والبعث: بابتداء الخلق، فقال:
{كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} أي كما أنشأكم ابتداء يعيدكم، فيجازيكم على أعمالكم، فأخلصوا له العبادة.
وأنتم حال البعث والحساب بين فريقين: فريق هداه الله ووفقه للعبادة والإيمان والإخلاص، وهم الذين أسلموا، وفريق حقت عليه كلمة العذاب والصرف عن طريق الثواب، وحق عليه الضلالة لاتباعه إغواء الشيطان وإعراضه. عن طاعة الله، وعلم الله أن أفراد هذا الفريق يضلون ولا يهتدون.
فسبب ثبوت الضلالة على هذا الفريق: هو أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، فقبلوا ما دعوهم إليه، ولم يتأملوا في التمييز بين الحق والباطل.
إن الفريق الذين حق عليهم الضلالة اتخذوا الشياطين أولياء أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به. وهذا دليل على أن علم الله بضلالهم لا أثر له في ضلالهم، وأنهم-كما قال الزمخشري المعتزلي-هم الضالون باختيارهم وتوليهم الشياطين، دون الله سبحانه.