للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جاء الفصل الثالث من القصة ومضمونه مقالة ملأ فرعون: قال السادة من قوم فرعون الموافقون له وأهل مشورته: {إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} أي خبير بفنون السحر وأنواعه، وله خطره إذ قد يستميل الناس بسحره، فيكون ذلك سببا لغلبته علينا، ونزع ملكنا، وإخراجنا من أرضنا بسحره، وذلك كله مصرح به في آية أخرى خاطبوا بها موسى وأخاه هارون: {قالُوا: أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا، وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ} [يونس ٧٨/ ١٠] وهو في الواقع صدى لما قاله فرعون وحكاه الله عنه بقوله: {قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ: إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ، فَماذا تَأْمُرُونَ} [الشعراء ٣٤/ ٢٦ - ٣٥].

ثم وقع ما خافوا منه، كما قال تعالى: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص ٦/ ٢٨].

وتابع الملأ كلامهم وإبداء رأيهم: قال الملأ لفرعون بعد أن استشارهم بقوله السابق: {فَماذا تَأْمُرُونَ؟}: أخّر الفصل في أمره وأمر أخيه، وأرسل في الأقاليم ومدائن ملكك فئة من جندك حاشرين، أي جامعين لك السحرة من سائر البلاد. وإنما قال: في المدائن لأن السحر ينشط‍ في المدن الجامعة المأهولة بكثرة الناس.

وكان السحر في زمانهم غالبا كثيرا، فتوهموا أن ما جاء به موسى عليه السلام من قبيل شعوذة الساحرين، فجمعوا له السحرة، ليعارضوه بنظير ما أراهم من البينات، كما أخبر تعالى فرعون حيث قال: {قالَ: أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى، فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ، فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، مَكاناً سُوىً. قالَ: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ، وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى، فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ، فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى} [طه ٥٧/ ٢٠ - ٦٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>