{يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ} أي إن ترسلهم يأتوك بكل ساحر ماهر بفنون السحر. وواضح أن الهدف الإتيان بالمهرة لتحقيق الغلبة والتفوق. قال الزمخشري: وكانت هذه مؤامرة مع القبط.
ثم جاء الفصل الرابع وهو دور السحرة.
وجاء السحرة من كل مكان، وقالوا لفرعون: هل لنا أجر لقاء الغلبة على موسى؟ فقال فرعون: نعم لكم أجر عظيم، وتصبحون من المقرّبين إلى في المركز والمجلس، وهذا إغراء في الجمع بين المركز المالي والأدبي.
قال السحرة لموسى في اليوم المخصص:{إِمّا أَنْ تُلْقِيَ} بسحرك أولا، وإما أن نلقي ما عندنا؟ وفي هذا التخيير اعتزاز شديد بأنفسهم، وثقة بخبرتهم، وعدم مبالاة بعمله.
فأجاب موسى جواب الذكي الخبير؛ لأن المتأخر في العمل يكون أدرى بما تقتضيه الحال، وهو واثق أيضا بشأنه وغلبته عليهم:{أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ}، وهذا إذن بتقديم الفعل، لا أمر يقرهم به على فعل السحر، وهو بقوله المذكور يريد أن يري الناس صنيعهم ويتأملوه، ويستفرغ ما عندهم من طاقات، فإذا فرغوا من زيفهم وشعوذتهم، جاءهم الحق الواضح، فيكون أوقع في النفوس. لذا قال تعالى:{فَلَمّا أَلْقَوْا، سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ، وَاسْتَرْهَبُوهُمْ، وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف ١١٦/ ٧] أي خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه، له حقيقة واقعية، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال، كما قال تعالى:{قالَ: بَلْ أَلْقُوا، فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى. فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى. قُلْنا:}