فلما أفاق من إغماءته وغشيانه أو صعقته، قال: سبحانك، أي تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراك أحد في الدنيا إلا مات.
إني تبت إليك من طلب الرؤية أي أن أسألك الرؤية، وأنا أول المؤمنين في زماني من بني إسرائيل بعظمتك وجلالك، وفي رواية عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.
ثم طيب الله خاطره وأبان له مكانته، فقال له: يا موسى إني اخترتك على ناس زمانك وآثرتك عليهم بتكليمي إياك وبإعطائك رسالاتي المتنوعة، فخذ ما أعطيتك من الشريعة وهي التوراة، وكن من جماعة الشاكرين نعمي، المظهرين لإحساني إليك وفضلي عليك.
{مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} الموعظة: تشمل كل ما يوجب الرغبة في الطاعة والنفرة من المعصية، والتفصيل: بيان أقسام الأحكام، أي وأعطيناه ألواحا كتبنا له فيها أنواع الهداية والمواعظ المؤثرة، والأحكام المفصلة المبينة للحلال والحرام وأصول العقيدة والآداب، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة، وهي أول ما أوتيه من التشريع.
{فَخُذْها بِقُوَّةٍ} أي فقلنا له: خذها عطفا على {كَتَبْنا} أي فخذها بقوة وجد وعزيمة، أي وعزم على الطاعة ونية صادقة، {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها}، أي يعملوا بالأوامر ويتركوا النواهي، ويتدبروا الأمثال والمواعظ.
ومعنى {بِأَحْسَنِها} أي بحسنها وكلها حسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر، فليأخذوا بما فيه الحسن والصواب، كقوله تعالى:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الزمر ٥٥/ ٣٩].
{سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} أي سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، وكيف يصير إلى الهلاك والدمار.