فالظالم إذا لم يعاقب فورا، عليه ألا ينخدع بذلك، فقد يكون تركه طعما للتّعرّف على المزيد من بغيه وجوره، كما تفعل أجهزة الأمن اليوم في كثير من حالات مراقبة تحرّكات المشبوهين، ثم يقع ذلك الظالم في قبضة الحكام لعقابه الدّنيا، أو تنزل به المصائب والدّواهي، ثم يعاقبه الله بالعذاب الشديد الآخرة. والاستدراج: هو الإدناء قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم.
وبعد أن هدّد الله المعرضين عن آياته، عاد إلى الجواب عن شبهاتهم، فقال:
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا..}. أي أولم يتفكّر هؤلاء المكذّبون بآياتنا ما بصاحبهم يعني محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم من جنون، فقد كانوا يقولون: شاعر مجنون، مع أنهم يعرفون حاله من بدء نشأته، ويعلمون حقيقة دعوته، ودلائل رسالته، فهو رسول الله حقّا، دعا إلى حقّ. والتّعبير:{بِصاحِبِهِمْ} للتّذكير بأنهم يعرفون سيرته معرفة كاملة في سنّ الصّبا وعهد الشّباب والكهولة وبعد النّبوة.
إنهم إن تفكّروا في شأنه، وتجرّدوا عن عصبيّتهم وأهوائهم، عرفوا الحقّ، وأدركوا صدقه، وأنه ليس مجنونا ولا شاعرا، كما حكى القرآن افتراءهم: