يتفكّروا في شأنه وشأن دعوته؟ لفت نظرهم إلى ما يدعوهم إلى الإيمان بوحدانية الله، فقال:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} أي أكذّبوا الرّسول، ولم ينظروا في عالم السموات والأرض، ففي ملكوت السماء والأرض دلائل على وجود الصانع الحكيم القديم، والملكوت: من صيغ المبالغة ومعناه: الملك العظيم، فإذا نظر هؤلاء المكذّبون بآياتنا في ملك الله وسلطانه ونظامه البديع في السموات والأرض، وفي كل ما خلق الله من كبير وصغير، لأداهم النّظر الصحيح إلى وجود الله تعالى ووحدانيته، وألم ينظروا في احتمال مجيء الموت فربّما يموتون عمّا قريب، فليسارعوا إلى النّظر وطلب الحقّ قبل مفاجأة الأجل وحلول العقاب، وليؤمنوا برسول الله، وينيبوا إلى طاعته.
وقوله:{وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ} تنبيه على أن دلائل التوحيد غير مقصورة على السّموات والأرض، بل كلّ ذرة من ذرأت الأجسام والأرواح التي خلقها الله برهان قاهر على التّوحيد.
وقوله:{وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} معناه: أو لم ينظروا في أن الشّأن والحديث عسى أن يموتوا عما قريب أي لينظروا في آجالهم التي ربّما اقتربت، وهذا ترغيب شديد في الإتيان بهذا النّظر والتّفكر، وتحذير لهم أن تكون آجالهم قد اقتربت، فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه. والخلاصة: لعلّ أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل فوات الأوان. قال ابن عباس: أراد باقتراب الأجل يوم بدر، ويوم أحد.
فبأي كلام أو حديث بعد القرآن يؤمنون إذا لم يؤمنوا به؟ وبأي تخويف وتحذير وترهيب بعد تحذير محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وترهيبه الذي أتاهم به من عند الله في كتابه، يصدّقون إن لم يصدّقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به محمد صلّى الله عليه وآله وسلم من عند الله عزّ وجلّ؟ وبأي حديث أحقّ من القرآن أن يؤمنوا به؟