وظاهر قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ} يقتضي أن تكون الغنيمة كلها ملكا للغانمين، وأن يكونوا مشتركين فيها على السواء؛ إلا أن قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} المتقدم بيّن وجوب إخراج الخمس منه وصرفه إلى مصارفه المذكورة. وفي الآية أيضا إباحة الغنائم التي كانت محظورة قبل ذلك،
عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال:«لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس من قبلكم».
وأرشدت الآية:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى} إلى أنه يجب على المؤمنين ترغيب الأسرى في الإيمان. وتضمنت بشارة للمؤمنين باستمرار النصر على المشركين، ما داموا آخذين بأسباب النصر المادية والمعنوية.
روى البخاري عن أنس: «أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في ترك فداء عمه العباس رضي الله عنه، وكان في أسرى المشركين يوم بدر، فقالوا: ائذن لنا، فنترك لابن أختنا (١) العباس فداءه، فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: والله لا تذرون منه درهما».
وكان فداء الأسير أربعين أوقية ذهبا، فجعل على العباس مائة أوقية (لأنه كان موسرا) وعلى عقيل ثمانين، فقال له العباس: أللقرابة صنعت هذا؟ قال:
فأنزل الله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى: إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ} فقال العباس (بعد إسلامه): وددت لو كان أخذ مني أضعافها، لقوله تعالى:{يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ}.
وذكر ابن العربي أنه لما أسر من أسر من المشركين، تكلم قوم منهم بالإسلام، ولم يمضوا بذلك عزيمة، ولا اعترفوا به اعترافا جازما. ويشبه أنهم أرادوا أن يقربوا من المسلمين، ولا يبعدوا من المشركين، فنزلت الآية.