للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسارى، ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم، وإن شئتم قتلوا وسلمتم» فقالوا: نأخذ الفداء، ويستشهد منا سبعون.

وإذا كان التخيير بين القتل وأخذ الفداء، فكيف وقع التوبيخ بقوله:

{لَمَسَّكُمْ}؟ الجواب: أن التوبيخ وقع أولا لحرصهم على أخذ الفداء، ثم وقع التخيير بعد ذلك.

وأما قوله تعالى: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} في أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون، فأصح الأقوال-في رأي ابن العربي والقرطبي-في كتاب الله السابق: ما سبق من إحلال الغنائم، فإنها كانت محرمة على من قبلنا، فلما كان يوم بدر، أسرع الناس إلى الغنائم، فأنزل الله عز وجل: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} أي بتحليل الغنائم.

وبما أن هذه الآية في إحلال الغنيمة، واستحقاق العذاب بما اقتحموا فيها مما ليس لهم اقتحامه إلا بشرع، استنبط‍ ابن العربي من ذلك بأن الآية دليل على أن العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراما، مما هو في علم الله حلال، إنه لا عقوبة عليه، كالمرأة إذا قالت: هذا يوم حيضتي فأفطر، والصائم إذا قال: هذا يوم نوبتي في سفري فأفطر، ثم حدث الحيض والسفر فعلا، ورجح ابن العربي ألا كفارة في هذه الحالة؛ لأن حرمة اليوم ساقطة عند الله، فصادف هتك حرمة الصوم محلا لا حرمة له في علم الله، فكان بمنزلة ما لو قصد وط‍ ء امرأة قد زفّت إليه، وهو يعتقد أنها ليست بزوجة، فإذا هي زوجة. وهذا رأي أبي حنيفة. ومشهور مذهب المالكية والشافعي أن فيه الكفارة (١).

والمعنى الراجح لقوله: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} في رأي الرازي: لولا أنه تعالى حكم في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة لمسهم عذاب عظيم.


(١) أحكام القرآن: ٨٧٢/ ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>