العهود. وهذا أصل من أصول أحكام الإسلام وسياسته الخارجية العادلة الرفيعة المستوى.
وحذر الله تعالى من نقض العهد بقوله:{وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي إن الله مطلع على جميع أعمالكم، فالزموا حدوده، ولا تخالفوا أمره، ولا تتجاوزوا ما حدّه لكم، كيلا يحل بكم عقابه.
والخلاصة: ليست المقاطعة تامة، كما في حق الكفار، بين المؤمنين في دار الإسلام وبين المؤمنين الذين لم يهاجروا، فلو استنصروكم فانصروهم ولا تخذلوهم.
ومن أجل دعم الولاية (التناصر والتعاون) بين المهاجرين والأنصار، ذكر الله تعالى حال الكفار في مواجهة المؤمنين، ليكونوا صفا واحدا تجاههم، وليعلموا قطع الموالاة بينهم وبين الكفار، فقال:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} أي أن الكفار في جملتهم فريق واحد تجاه المسلمين، يوالي بعضهم بعضا في النصرة والتعاون على قتال المسلمين، وإن تعددت مللهم، وعادى بعضهم بعضا، وقد أكد التاريخ ذلك، فكان اليهود مناصرين المشركين في حربهم ضد المؤمنين، حتى إنهم نقضوا عهودهم مع المسلمين، مما استوجب حربهم وإجلاءهم من خيبر، والتاريخ يعيد نفسه، فترى المشركين والماديين الملحدين واليهود والنصارى في كل عصر في خندق معاد للإسلام والمسلمين.
وجعل الكفار في صف والمسلمين في صف آخر مواجه لهم اقتضى امتناع الإرث بسبب اختلاف الدين باتفاق المذاهب الأربعة، فلا يرث المسلم كافرا، ولا الكافر مسلما،
لما رواه الحاكم في مستدركه عن أسامة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال:
«لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما» ثم قرأ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ}
وروى الجماعة إلا النسائي عن أسامة بن زيد:«لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم».