أما توارث الكفار بعضهم من بعض فجائز في رأي الجمهور؛ لأن الكفر ملة واحدة في الإرث؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}. وقال المالكية: لا يرث كافر كافرا إذا اختلف دينهما من اليهودية والنصرانية؛ لأنهما دينان مختلفان، ولا يرثان من مشرك ولا يرثهما مشرك؛ لعموم
الحديث السابق:«لا يتوارث أهل ملتين شتى» ولأنه لا موالاة بينهم.
وأما اختلاف الدار فهو مانع للإرث عند الحنفية فقط إذا كان بين الكفار، دون المسلمين، لثبوت التوارث بين أهل البغي وأهل العدل (دار الإسلام) فيكون هذا المانع خاصا بغير المسلمين.
وليس اختلاف الدار لدى الشافعية مانعا من موانع الإرث، لكنهم قالوا:
لا توارث بين حربي ومعاهد، وهو يشمل الذمي والمستأمن؛ لانقطاع الموالاة بينهما.
وليس اختلاف الدار مطلقا مانعا للميراث لدى المالكية والحنابلة، فيرث أهل الحرب بعضهم من بعض، سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت.
ثم قال تعالى:{إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ..}. أي إن لم تفعلوا ما شرع لكم من موالاة المسلمين وتواصلهم وتناصرهم وتعاونهم تجاه ولاية الكفار بعضهم لبعض، وتجنب موالاة المشركين وعدم الاختلاط بهم، تحصل فتنة عظيمة في الأرض هي ضعف الإيمان وقوة الكفر، وفساد كبير وهو سفك الدماء، فتعم الفتنة وهي التباس الأمر، واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد زائد في الدين والدنيا.
وفي هذا دلالة على حرص الإسلام على الحفاظ على شخصية المسلمين الذاتية، واستقلالهم في ديارهم، وعدم إقامتهم في أوطان الكفار.