ومعنى الآية: يا أيها النبي جاهد كلاّ من الكفار والمنافقين، واغلظ عليهم أي عاملهم بالخشونة والشدة، ولا تحابهم ولا تلن لهم واعلم أن مقرهم جهنم لا مقر لهم سواه، وبئس المصير مصيرهم:{إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً}[الفرقان ٦٦/ ٢٥]. أي أن لهم عذابين: عذاب الدنيا بالجهاد، وعذاب الآخرة في جهنم.
والجهاد: عبارة عن بذل الجهد، وليس في الآية ما يدل على أن ذلك الجهاد بالسيف أو باللسان، أو بطريق آخر، وإنما تدل على وجوب الجهاد مع الفريقين، فأما كيفية تلك المجاهدة فلفظ الآية لا يدل عليها، بل إنما يعرف من دليل آخر، وهذا هو الرأي الصحيح الذي اختاره الرازي.
وقد دلت الدلائل الأخرى من غير الآية على أن جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين تارة بإقامة الحجة والبرهان، وبترك الرفق أحيانا، وبالانتهار أحيانا أخرى. قال ابن مسعود في قوله:{جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ}: تارة باليد (أي بالسلاح الحربي) وتارة باللسان، فمن لم يستطع فليكشر في وجهه، فمن لم يستطع فبالقلب.
وقد أدت سياسة الإسلام الحكيمة بأمر الله وحكمة رسوله، ومعاملة المنافقين معاملة المسلمين في الظاهر، إلى توبة أكثرهم وإسلام الألوف منهم.
ثم ذكر الله تعالى أسباب جهاد الكفار والمنافقين، وهي إظهار الكفر بالقول، والهمّ بالفتك برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، والاستهزاء بآيات الله وبالنبي والمؤمنين، فقال:{يَحْلِفُونَ بِاللهِ..} ..
أي إن القرآن يثبت للمنافقين الكذب الصريح واليمين الفاجرة، فهم يحلفون بالله، إنهم ما قالوا كلمة الكفر التي رويت عنهم، ولم يذكر القرآن تلك الكلمة، ترفعا من ذكرها، ولئلا يردد المسلمون تلاوتها، ولكنهم قالوها، وهي كما ذكر