في سبب النزول: إنهم لما اجتمعوا إثر رجوع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من تبوك، وكانوا خمسة عشر، بقصد الفتك به، ودفعه عن راحلته، فقد طعنوا في نبوته، ونسبوه إلى الكذب، والتصنع في ادعاء الرسالة، وذلك هو قول كلمة الكفر، كما اختار الزجاج والرازي.
وكفروا بعد إسلامهم: معناه أظهروا الكفر بعد أن أظهروا الإسلام.
وهمّهم بما لم ينالوا: هو اغتيال الرسول في العقبة، بعد رجوعه من تبوك.
والصحيح أن عددهم كما جاء في رواية مسلم اثنا عشر منافقا.
وما أنكر هؤلاء المنافقون وما عابوا من أمر الإسلام أو الدين وبعثة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم شيئا، {إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ} تعالى من فضله ورسوله، بالغنائم الحربية، وكانوا كسائر الأنصار في المدينة فقراء، كما
قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم للأنصار:«كنتم عالة، فأغناكم الله بي» أي أن أكثر أهل المدينة كانوا بحاجة وضنك من العيش، فلما قدمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أثروا بالغنائم.
وروي أنه قتل للجلاس بن سويد (أحد المتخلفين عن تبوك) مولى، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بديته اثني عشر ألفا، فاستغنى.
فليس هناك شيء ينقمون منه إلا أن الإسلام كان سببا في غناهم. وهذا مدح بما يشبه الذم.
فإن ينوبوا من النفاق ومساوئ أقوالهم وأفعالهم، يكن ذلك خيرا لهم وأصلح، ويفوزوا بالخير، ويقبل الله توبتهم. وفي هذا ترغيب لهم بالتوبة، وفتح باب الأمل والرجاء بالرحمة أمامهم.
وإن يتولوا عن التوبة بالإصرار على النفاق، يعذبهم الله عذابا مؤلما في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهو قتلهم وسبي أولادهم ونسائهم واغتنام أموالهم،