أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.
وخرّج البخاري عن البراء: أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وإنه صلّى أول صلاة صلاّها العصر، وصلّى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلّى مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فمرّ على أهل المسجد، وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صلّيت مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت رجال قتلوا، ولم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله عزّ وجلّ:{وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ}.
ففي هذه الرواية: صلاة العصر، وفي رواية مالك: صلاة الصبح.
ويستفاد من الآية وهذه الأحاديث أمور ثلاثة:
١ - من لم يبلغه الناسخ يظل متعبّدا (مطالبا) بالحكم الأول، لأن أهل قباء لم يزالوا يصلّون إلى بيت المقدس إلى أن أتاهم الآتي، فأخبرهم بالناسخ، فمالوا نحو الكعبة، فالناسخ رافع للحكم الأول، لكن بشرط العلم به، لأن الناسخ خطاب، ولا يكون خطابا في حقّ من لم يبلغه.
٢ - دلّ ذلك على قبول خبر الواحد، وهو مجمع عليه من السلف، معلوم بالتواتر من عادة النّبي صلّى الله عليه وسلّم في توجيهه ولاته ورسله آحادا للآفاق، ليعلّموا الناس دينهم، فيبلّغوهم سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأوامر والنواهي.
٣ - فهم مما ذكر أن القرآن الكريم كان ينزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا بعد شيء، وفي حال بعد حال، على حسب الحاجة إليه، حتى أكمل الله دينه، كما قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة ٣/ ٥].