للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما أن الكعبة وسط‍ الأرض، وفي مركز قطب الدائرة للكرة الأرضية، كذلك جعل الله المسلمين أمّة وسطا، دون الأنبياء وفوق الأمم، والوسط‍:

العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها، فهم خيار عدول أوساط‍ في الموقع والمناخ والطباع والشرائع والأحكام والعبادات ومراعاة دوافع الفطرة، والجمع والتوازن بين مطالب الجسد والروح، وبين مصالح الدنيا والآخرة. لذا استحقوا الشهادة على الأمم، وكانوا سبّاقين للأمم جميعا بالاعتدال والتوسط‍ في جميع الشؤون، والتوسط‍ منتهى الكمال الإنساني الذي يعطي كل ذي حق حقه، فيؤدي حقوق ربّه، وحقوق نفسه، وحقوق جسمه وغيره من أبناء المجتمع، أقارب أم أباعد.

وأداء الشهادة على الناس في المحشر يكون للأنبياء على أممهم، كما

ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح عليه السّلام يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمّته، فيشهدون أنه-أي نبيهم-قد بلّغ. ويكون الرّسول عليكم شهيدا (مزكيّا معدّلا)، فذلك قوله عزّ وجلّ:

{وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} إلخ، القصة المذكورة سابقا هنا في التفسير.

وهذا إنباء من الله تعالى في كتابه بما أنعم على الأمة الإسلامية من تفضيلها باسم العدالة، وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه، فجعل المسلمين أولا مكانا، وإن كانوا آخرا زمانا، كما

قال عليه الصلاة والسّلام: «نحن الآخرون السابقون» وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول، ولا ينفذ قول شخص على غيره إلا أن يكون عدلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>