والاستهزاء والسخرية من شعيب عليه السّلام، لجؤوا إلى التهديد والوعيد مظهرين أنه ضعيف لا سند له، وأنهم أعزة أقوياء، ولولا مجاملة عشيرته لقتلوه رجما بالحجارة، وما هو بعزيز عليهم ولا كريم، ولا بغالب ولا قاهر ولا ممتنع.
وهذا شأن الكفار عادة، يعتمدون على القوة المادية، ويهملون النظر إلى تدبير الله وقوته وقهره وقدرته، لذا أراد شعيب أن يلفت نظرهم إلى ضرورة رعاية جانب الله تعالى، وليس مجرد رعاية جانب قومه، فقال: أنتم تزعمون أنكم تتركون قتلي إكراما لرهطي، والله تعالى أولى أن يتبع أمره.
١١ - قابلهم شعيب عليه السّلام بتهديد ووعيد أشد وآكد وأوقع وأصدق، وقال لهم:{اِعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ} سوف تعلمون الصادق من الكاذب، وسوف ترون من يأتيه عذاب يخزيه ويهلكه. وانتظروا العذاب والسخط، فإني منتظر النصر والرحمة.
١٢ - كان عذاب أهل مدين كثمود بالصيحة، قيل: صاح بهم جبريل صيحة، فخرجت أرواحهم من أجسادهم، وصاروا ميتين، كأن لم يعيشوا في دارهم.
١٣ - ينضم إلى العذاب الدعاء على الكفار وإعلان الطرد من رحمة الله تعالى:{أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ} أي هلاكا لهم وبعدا عن رحمة الله، كما هلكت قبلهم ثمود، وبعدت من رحمة الله تعالى.
١٤ - من فضل الله ورحمته أنه نجى شعيبا ومن معه من المؤمنين، وهو تنبيه على أن كل ما يصل إلى العبد، لا يكون إلا بفضل الله ورحمته، وأن الخلاص والنجاة والإيمان والطاعة والأعمال الصالحة لا تحصل إلا بتوفيق الله تعالى.