للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتصرف في الخلائق، سواء في الدنيا بإهلاك تلك الأمم وأمثالها، أو في الآخرة، إنما هو بإرادة الله واختياره لتربية الأمم، لا بالطبيعة كما يزعم الماديون الذين قالوا: إن الطوفان أو الغرق، والصاعقة، وخسف الأرض أو الزلازل أمور طبيعية غير إلهية. وأبسط‍ رد عليهم أن تلك العقوبات حدثت بعد إنذار الرسل لأقوامهم، وحددوا لهم وقتا معلوما، كما قال صالح عليه السّلام: {تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود ٦٥/ ١١] وقال لوط‍: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود ٨١/ ١١].

ثم أخبر الله تعالى عن تأخير يوم القيامة وعذابه إلى أجل معين: {وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} أي ما نؤخر إقامة القيامة إلا لانتهاء مدة محدودة في علمنا، لا يزاد عليها ولا ينقص منها، وهي عمر الدنيا، لإعطاء الفرصة الكافية للناس لإصلاح أعمالهم، وتصحيح عقيدتهم، كقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا، لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ، لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف ٥٨/ ١٨].

{يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ.}. أي يوم يأتي يوم القيامة، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى، فهو صاحب الأمر والنهي، ولا يملك أحد فيه قولا ولا فعلا إلا بإذنه، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا، لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ، وَقالَ صَواباً} [النبأ ٣٨/ ٧٨] وقوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ، وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ، فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً} [طه ١٠٨/ ٢٠].

{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ.}. أي فمن أهل الجمع من الناس في ذلك اليوم شقي معذّب لكفره وعصيانه، ومنهم سعيد منعّم في الجنان لإيمانه واستقامته، كما أخبر تعالى:

{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى ٧/ ٤٢] فمن أريد له الشر فعمل

<<  <  ج: ص:  >  >>